الرسول صلى الله عليه وسلم كان في مهنة أهله
· العمـــــــل المنـــــزلي مسؤوليـــة نسائيــــة ومساعـــدة الرجـــــل حســـب الحاجــــــــة
· مساعدة الزوجة لا تنقص الرجولة وتدعم الروابط الأسرية
عدت من عملي منهكة، وبملابس الخروج بدأت في إعداد الغداء قبل عودة زوجي من عمله، وأطفالي من مدارسهم، كنت أنقل قدمي بتثاقل، وعندما أكملت إعداد الطعام، ودار مفتاح زوجي في الباب، ألقيت بجسدي على أقرب مقعد، واغتصبت ابتسامة على وجهي، وطلبت من زوجي باستعطاف أن يساعدني في إكمال مهماتي، فنظر إليّ بتأفف وقال: هذه مسؤوليتك!
موقف حدث لكثيرات، وتوقفن عنده، أو اخترنه وجعلنه وقوداً للخلاف، أو عبرنه، واستعنَّ بالله على أعبائهن.
موقف يختصر مساحات الود بين الزوجين، ويخصم الكثير من رصيد العشرة بينهما، ويدخل الكدر على نفس الزوجة، بينما لو ساندت اليدُ اليدَ لزاد الود، وتوثق العهد، وأصبح العمل المنزلي متعة مشتركة، هي ليست دعوة لتبادل الأدوار، ولكن للتعاون على الأداء.
تقول السيدة أمنية هان - ربة منزل -: "يساعدني زوجي مساعدة غير مباشرة، فهو لا يغضب مثلاً إذا جاء من الخارج ووجدني نائمة، فيقوم بتحضير طعامه بنفسه، ولكني لا أتخيله يقوم بغسل الأطباق مثلا ، مع أنه يفعل هذا إذا اضطرتني الظروف للغياب عن المنزل، كما أنه في يوم الإجازة يصر على تحضير الإفطار بنفسه لنا جميعاً.
فمساعدة الرجل لزوجته لا تنقص من مكانة الرجل في بيته، بل تدل على حنانه، وحبه لزوجته، وعمله على راحتها.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وفي صحابته أيضاً، فهذا سعيد بن عامر رضي الله عنه عندما كان والياً لحمص اشتكى منه الناس في أمور ثلاثة.. منها أنه كان يخرج لهم في وقت متأخر من النهار. ففسر ذلك بأنه لم يكن لزوجته خادم، وأنه يقوم بإعداد العجين لها في أول النهار.
ويوافق "خالد محمد" - محام - على مبدأ المساعدة، ولكن بحدود، ويؤكد "أنه يساعد زوجته في أشياء كثيرة عندما تكون مريضة مثلاً، أو تكون متعبة من كثرة بكاء الطفل، وعدم نومه ليلاً، ولكنه يرفض نشر الغسيل مثلا؛ حتى لا يعرف أحد أنه يساعد زوجته، خصوصاً أسرته!
ويضيف: ذات مرة كانت زوجتي مريضة بعد ولادة طفلي، وكنت في المطبخ أحضر الطعام، فدق جرس الباب، ووجدت نفسي أفتح الباب، وأنا بمريلة المطبخ، وأمامي زوجة أخي جاءت تطمئن على زوجتي، ولم أدر ساعتها ماذا أفعل؟ فقد تسمرت في مكاني، ولم أتحرك، ولم أدر كم مر من الوقت عليّ بهذه الحالة ".
تقول "سها سامي" - زوجة حديثة - : "تعودت أن أرى والدي يساعد أمي في يوم الإجازة، وأيضًا زوجي يساعدني إذا سمح وقته بذلك، ولكنني في بعض الأوقات أصر على عدم مساعدته لي، وهو يصر على المساعدة، وأرى أن مساعدة الرجل لزوجته تحدث تبعاً لما تعوّده قبل الزواج، فزوجي تعوّد مساعدة والدته، واستمرت هذه العادة عنده بعد الزواج، وهناك أزواج بارعون في الطهي، وجميع الأعمال المنزلية إذا دعتهم الضرورة".
ويرفض بشدة "أمجد علي" - محاسب - هذا المبدأ، ويرى أن الزوجة وحدها مسؤولة عن البيت وشؤونه، ويقول : " لقد تربيت على ذلك، فلم أتعود قبل الزواج المساعدة في أمور المنزل ؛ إذ كانت أمي ترفض أن يساعد أبناؤها البنون في أعمال المنزل مع البنات، وتعتبر أن البيت هو مسؤولية البنت التي عليها أيضًا تلبية طلبات البنين".
أما "عصام محمد" - طبيب - فيعترض على الرأي السابق ويقول : " رغم أنني طبيب، ومشغول دائمًا ؛ فإنني أقتنص بعض الوقت لمساعدة زوجتي، فهي أيضًا طبيبة، ونحن حديثو الزواج، وأجد متعة وأنا أساعدها، وأضع الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة أمامي في مساعدة أهله، فأساعدها حتى أشعرها بحبي لها ؛ لأن من مظاهر حب الرجل لزوجته مساعدتها، ولو معنوياً بألا أحملها فوق طاقتها، وألا أعاتبها على تقصير منها، فيكفي أنها تشعر أنها مقصرة، فلا أتحامل عليها، بل أقوّمها بكلمة طيبة ترضي الله عز وجل".
ولا تتحمس "سيدة مصطفى" - 64 عاماً - لمساعدة الرجل لزوجته في المنزل، وترى أنها "دلع" زائد من الزوجات، وعندما قلت لها إن الزوجة تعمل خارج المنزل مثل زوجها، ردت:"خلاص.. ذنبها على جنبها".
بينما تؤكد "حليمة" أن أول ما ستوصي به ابنها، بعد حسن عشرة زوجته، أن يساعدها على هموم البيت. وتضيف : " أحب لزوجة ابني ما أحب لابنتي التي رزقها الله بفضله زوجاً طيباً يده بيدها في كل شيء، أكرمه الله".
وحول الرؤية الاجتماعية لمشاركة الزوج في الأعمال المنزلية يقول الدكتور"صلاح عبد المتعال" - أستاذ الاجتماع والخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية -: "العمل المنزلي مسؤولية الزوجة، فلا يمكن أن يقوم الرجل بنشر الغسيل مثلاً ، فالتراث الثقافي لدينا يقول إن للرجل دور القوامة، والمرأة لها دور في البيت، وخلط الأوراق يوجد عدم اقتناع، وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان يساعد أهل بيته في أشياء تساند الزوجة، وتخفف عنها، فهي علاقة إنسانية بالدرجة الأولى، وعندما يجد الزوجة مرهقة مثلاً فعليه مساعدتها؛ فهي ليست أََمَـةً لديه.
والرجل يعمل في السعي على الرزق، والمرأة لصناعة الرجال، وهذا ليس له علاقة بالمساواة التي ينادون بها، فعمل المرأة داخل بيتها هو من أمتع الأعمال لديها مهما وصلت درجتها العلمية، أو الاجتماعية، أو الوظيفية، والتعاون بين الزوجين مطلوب في حدود ودون طلب مباشر، ولكن تطوعاً أيضاً بمساعدتها، ورحمة لها.
ويرى الدكتور صلاح آثاراً إيجابية للمساعدة إذا حدثت دون مبالغة؛ لأنها تشعر الزوجة بحب زوجها لها، وعطفه عليها، وأيضاً عدم المساعدة له آثار سلبية، حيث يجعل على عاتقها مسؤوليات أكثر بدلاً من مسؤولية واحدة. ويشعرها بأن زوجها يتجاهل معاناتها ولا يهتم بها".
د. نجلاء فايز - صيدلية - تتحدث عن مساعدة زوجها لها فتقول : "هو رجل طيب جداً وحريص على مساعدتي، ولكنني - رغم إرهاقي - أرفض ذلك وبشدة، فقد حدثت عدة مواقف أكدت لي أنه " نار التعب ولا جنة مشاركة زوجي لي في أعمال المنزل"!، فذات مرة وضع الغسيل الملون في الغسالة، وأضاف للمسحوق كمية من الكلور لزيادة النظافة على حد قوله، والنتيجة أن الملابس صارت بلا معالم واختفت ألوانها.
وفي مرة أخرى وصلت فتات " البقسماط " إلى كل ركن في الشقة حين حاول إعداد "البفتيك "، وعندما تطوع بتنظيف المطبخ حظر عليّ دخوله؛ فحرمت طوال اليوم من كوب شاي، ومن وقتها قررت أن أعمل كل شيء بنفسي، وأقنع منه بعرض المساعدة، وبكلمة: "الله يعينك "!
هل هناك رجل في هذا الوقت أكثر انشغالا من الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ بالقطع لا، ومع ذلك فإن قائد الدولة الإسلامية صلى الله عليه وسلم كان في مهنة أهله، داخل دائرة مهمات نسائه المنزلية، لا يترفع عن مساعدتهن وهن متفرغات، ولا يتعالى على مد يد العون لهن، وهو خير الرجال.
ولكن شتان بين التعاون الاختياري، والمساعدة الجبرية، وشتان بين رجل يتطوع، وآخر يطلب منه ذلك قسراً، وبين حياء الزوجة من طلب العون المباشر، وخيرية الزوج الذي يأخذ المبادرة، هنا تتسع مساحات الود، والتراحم، والهناء، ولا يتحول مصطلح توزيع الأدوار إلى قسمة جامدة صارمة، بل إلى كعكة لذيذة يتقاسمها الزوجان بحب واستمتاع وفخر!