الشبهة السادسة:
يقولون: العباءة تشمل جميع ما يلبسنه نساء اليوم عند خروجهن بما في ذلك الكابات والعباءات الفرنسية وما شابهها، فالكل عباءة وليس بينها فرق في غرض الستر مع عباءة الرأس المحتشمة.
وهذه من الأغاليط المشهورة عند النساء المغرمات بلبس العباءات المجملة والمنمقة والملففة.
ونرد عليهن بقولنا:
لا تنخدعي بالأسماء والشعارات وإنما انظري لحقائقها ومسمياتها.
فالجميع يسمي ما تلبسه النساء اليوم عند خروجهن "عباءة"ولكن هل كلها بحق عباءة؟
وفصل الجواب في ذلك يكون بعرض ما يسمى عباءة على الشروط الشرعية الواجب توفرها في حجاب المرأة عند خروجها، فإن استوفت الشروط فهي عباءة، وإذا نقص فيها من الشروط شيء فلا يستحق أن تسمى عباءة بل هي تماماً ما يسميه البعض (موضة).
وعلى هذا يجدر بنا أن نعرض شروط الحجاب الشرعي، ولكن قبل ذلك نعرض سؤالا لكل ذات عباءة: هل أنت مؤمنة بأن العباءة التي تلبسينها عبادة تتقربين لله عز وجل بها؟ فإن كان الجواب بنعم فنقول لها إذا فاعتبري بهذه الشروط واعتني بها؛ لأنها شروط عبادة تأدينها لله تعالى لا تتم إلا بها.
ومن قالت مجيبة على السؤال: لا إنما هو أمر اعتدته وألفته. فنقول لها إذن لن تهمك الشروط الشرعية؛ لأنك في الأصل غير متعبدة لله بها، وسترضين بكل جديد ومستحدث يكون فيها بما يتناسب مع حب الجمال والزينة لديك، وليس أدل على ذلك مما نراه اليوم من السباق الحاد بين كثير من السفيهات في عرض أزياء لما يسمونه عبايات- زعموا-.
أما الشروط فهي باختصار:
1- أن يستوعب جميع البدن، فلا يبدو منه عضو.
2- ألا يكون زينة في نفسه فلا يكون مزخرفا ولا مطرزا ولا ملونا.
3- أن يكون صفيقا- أي كثيفا- لا يشف فيبدو من تحته الجسم والزينة.
4- أن يكون فضفاضا لا يصف حجم الأعضاء والجسم.
5- ألا يكون مبخرا ولا مطيبا.
6- ألا يشبه لباس الرجال.
7- ألا يشبه لباس الكافرات.
8- ألا يكون لباس شهرة.
فإن خلت العباءة من أحد هذه الشروط فهي نوع تبرج يخالف الشرع.
إذا التبرج كما عرفه العلماء: (هو كل زينة أو تجمل تظهره المرأة تحلو به في أعين الأجانب، حتى القناع الذي تستتر به المرأة إن انتخب من الألوان البراقة، والشكل الجذاب لكي تلذ به أعين الناظرين، فهو من مظاهر تبرج الجاهلين).
وما نراه اليوم من مظاهر الفتنة والعصيان فيما يسمى بالعباءة المزعومة التي يلبسها كثير من النساء عند خروجهن، وقد لفتها على بدنها فأبرزت مفاتنها، وأخرجت ذراعيها من خلال تلك الأكمام الواسعة، ثم زينتها بأنواع الزينة الرائقة فهي من قبيل ذلك التبرج المحرم. وما هن إلا كما وصفهن الشاعر بقوله:
إن ينتسبن إلى الحـجاب فإنـه نسب الدخيل
أهي التي فرض الحجاب لصونها شرع الرسول؟
خل الحـجاب معاذها من ذلك الداء الوبيل
ولو أن كل امرأة مسلمة التزمت درجة الحجاب المثلى عند احتياجها للخروج من بيتها لما كان لكثير من الفتن مكان في حياتنا، ولسلمنا على أعراضنا وشبابنا.
ثم نذكر أخواتنا الملتفات بتلك العباءات بحديث النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في السلسلة الصحيحة في قوله عليه السلام: "خير نسائكم الودود الولود، المواتية، المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة هن إلا مثل الغراب الأعصم " والغراب الأعصم هو الأبيض الجناحين. وقيل: الأبيض الرجلين. وقيل: هو أحمر المنقار والرجلين، وهذا الوصف في الغربان قليل، وهذا الوصف كناية عن قلة من يدخل الجنة من النساء؛ وذلك لكثرة تلبسهن بتلك الأوصاف- عافانا الله منها ومن النار. ثم لتستمع تلك المرأة التي ألصقت العباءة بجسدها غير آبهة بما يبرز منه، إلى موقف المؤمنات الصادقات اللاتي كانت إحداهن تستقبح أن يصف الثوب جسدها بعد موتها عندما تطرح على النعش، فتقدم بين يدي الرجال ليصلى عليها، فتبحث عن طريقة لستر وصف جسدها وهي ميتة فكيف بالله تظنين كان حرصها على ذلك في حياتها؟.
فتروى عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت:
(يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع النساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها) فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله، أريك شيئاً رأيته بالحبشة!! فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: (ما أحسن هذا وأجمله).
كثيراً ما نواجه من النساء الجاهلات من تقول: أعطوني دليلاً على أنه لا يجوز لبس عباءة الكتف، وأنه لا بد أن تكون العباءة على الرأس .
فهذه يقال لها: هل أنت طالبة للحق أم طالبة للمستحيل؟
فإن قالت: أنا طالبة للحق، فيقال لها: قد وجدتيه في الضوابط والشروط التي ذكرت في حجاب المرأة المسلمة، والذي جاءت بها الأدلة، وقد وجدتيه أيضاً في فتاوى العلماء الأثبات الثقات، الذين أمرنا الله بطاعتهم فقال جل وعلا: { يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} .
فإن لم تكن طالبة للحق فهي طالبة للمستحيل، وهو إتيانها بمنطوق آية أو حديث في ذلك الأمر.
فنقول لها: إن الإنسان الذي يعلق استجابته بأمر مستحيل هو صاحب هوى لن يستجيب أبداً ولو تحقق له هذا المستحيل؛ لأن تعليق الاستجابة على الأمر البعيد يدل على عدم صحة الرغبة وصدوا الطلب للحق، بل يدل على التعنت والعناد، كما كانت مواقف بني إسرائيل مع أنبيائهم بطلب أمور محالة خارجة عن المألوف مقابل استجابتهم تعنتاً وعناداً، فلما حصلت لهم لم يؤمنوا بها. وفي مثل ذلك يقول الله تعالى: {فإن لم يستتجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم }.
الشبهة السابعة:
الكثير يحتج بحجة تدل على جهله بأدلة الحجاب من جهة ومن جهة أخرى جهله بما اتفق عليه علماء المذاهب في وجوب غطاء الوجه في زمن كثرة الفتن والفساد، وهذا الزمن الذي نعيشه أولى بهذا الوصف.
الحجة تقول: (إن غطاء الوجه مسألة خلافية بين أهل العلم).
الجواب من عدة جوه:
1- على المسلم الصادق أن يتحرى الصواب في المسائل والأحكام بالبحث عن الحجة الأقوى وترك إتباع الهوى والاستعانة بالله تعالى للدلالة على الحق والقيام به، ومن قام بذلك كله فإنه لا محالة سيوفق إلى الحق وييسر له سبيله كما قال تعالى: {إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم}.
ومن كان غير ذلك فهو ممن قال تعالى فيهم: !الو أؤ!بهث آللأين لؤييرب أدئه آن ظفرقلوبهؤ!و وقال تعالى عنهم: !و قلن تضلف تل! مئ آلئو شتئأ!و، إذ حجة (المسألة خلافية) تبناها كثير من الناس اليوم في عبادتهم، فظفروا بمرادهم وأهوائهم في زلة عالم، أو رخصة متكلفة، أو قول شاذ، أو فهم خاطئ، دون أي اعتبار لمخالفة ذلك القول لقول المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وقد وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دواء شافياً عند داء الاختلاف وذلك في قوله: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين).
ولقد جعل الله تعالى الإجماع حجة معصومة من الضلال، فلا يصح أن نجعل ما يضاده وهو الاختلاف حجة أيضاً!!!.
ومن تتبع في دينه الرخص والاختلافات الشاذة، فإنه سيؤدي إلى نقص عبوديته ورقة دينه، بل ربما إلى ذهابه بالكلية، كما قد قيل: من تتبع الرخص فقد تزندق، أي خرج عن الدين.
2- أن الواقع المؤكد والمنقول أن نساء الإسلام ظللن محجبات خلال مراحل التاريخ الإسلامي، ونقولات أهل العلم التي ذكرناها خلال الموضوع تؤكد أن الالتزام بالحجاب كان أحد معالم سبيل المؤمنين في شتى العصور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب والأمة تبرز".
وعن عاصم الأحول قال: "كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا، تنقبت به، فنقول لها: رحمك الله قال الله تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة } قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: {وأن يستعففن خير لهن} فتقول: هو إثبات الحجاب "
3- نستطيع أن نلخص مجموع أقوال علماء المذاهب الأربعة في مسألة حجاب المرأة بأنهم متفقون على وجوب تغطية المرأة جميع بدنها عن الأجانب سواء منهم من يرى أن الوجه والكفين عورة، أو من يرى أنهما غير عورة، لكنه يوجب تغطيتهما في هذا الزمان لفساد أكثر الناس، ورقة دينهم أو عدم تورعهم عن النظر المحرم إلى المرأة.
يقول الشيخ محمد المقدم حفظه الله في كتابه (عودة الحجاب) (1): (اتفق جمهور علماء المذاهب في هذا الزمان على وجوب تغطية الوجه والكفين عند المرأة سداً لذرائع الفساد وعوارض الفتن).
أخيراً:
فبعد إيراد بعضاً من الشبهات التي يثيرها أنصار السفور والتبرج. نقول لصاحبة (حجاب التبرج)!
حذار أن تصدقي أن حجابك هذا هو الذي أمر به القرآن والسنة، أو أن تغتري بأنك أحسن حالاً من صاحبات التبرج الصارخ؛ فإنه لا أسوة في الشر، فالنار دركات بعضها أسفل من بعض.
وإياك أن تنخدعي بمن يبارك عملك هذا من أرباب الأغراض الشيطانية، والمصالح الشهوانية، والمنافع المادية، ممن يخطط للحجاب المتبرج وينفذه ويعرضه ويبيع ويشتري فيه، فهؤلاء أشبه باليهود والنصارى الذين عصوا الله ورسوله وقابلوا أمر الله ونهيه بقولهم {سمعنا وعصينا} وقول الله تعالى فيهم {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} فهؤلاء كأنهم لم ينزل فيهم قرآناً يتلى، كأنهم لم يسمعوا قوله {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} وقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} وقوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} وكأن الآيات نزلت على قوم آخرين غير نساء المسلمين.
ثم نوجه كلمة للأخت المباركة التي حافظت على أمر ربها- حفظها الله وثبتها- نقول لها: طيبي خاطراً وقري عيناً ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم لك ولأمثالك ممن صبرن وصابرن في سبيل الله "طوبى للغرباء" قيل: ومن الغرباء يارسول الله؟ قال: "ناس صالحون في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم " فأنت تسمعين في مجتمع يسوده التفريط والتبرج من يقول لك: شكلك غريب وشاذ، فاصبري وصابري واثبتي في مواجهة الفتن، فإنما هي أيام قلائل وبعدها ترفلين بنعيم الجنة وحلل الكرامة برحمة الله تعالى. روي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قالى: (إذا نظر الشيطان فرآك مداوماً في طاعة الله فبغاك وبغاك- أي طلبك مرة بعد مرة- فرآك مداوماً، ملك ورفضك، وإذا كنت مرة هكذا ومرة هكذا طمع فيك).
ومسك الختام ما ختم الله عز وجل به الآيات الآمرة بالحجاب بقوله جل وعلا: {وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون } (النور: 31).